هل هذا ممكنٌ أصلاً؟ أن الله لا يرضى عن عملٍ صالحٍ من الأعمال؟
نعم، بل ويحدث أكثر مما نتخيل، فكثيرٌ من الأعمال الصالحة، لا يقبلها الله عز وجل، ليس لأنها فاسدة في أصلها، بل لأنها لا تتوافق مع معنى الإصلاح، وهي وإن كانت عملاً صالحاً في الظاهر، إلا أنها لا تنتمي إلى عمل الصالحات، وبالتالي فلا تصح عند الله، وخلف هذا المعنى يمكن أحد أسرار تخلفنا في المجتمعات العربية، وسنوضح ذلك ونربطه بأحد الأخبار التي أوردتها شركة سابك السعودية.
دعونا نتأمل الآية التالية، عندما قال سليمان عليه السلام يدعو ربه بعدما سمعَ حديث النملة وتبسم ضاحكاً من قولها، فقال: ” رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ عليَّ وعلى والدي، وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين”.
لقد دعا سليمان ربه أن يعينه ويوفقه لعمل الصالحات التي تُرضيه، فهل هذا يعني أن ثمة صالحات لا تُرضي الله؟ نعم.
هذه الصالحات هي ما لم يُراع فيها الظروف الزمكانية ( الزمان والمكان ) ومقتضى الحال، حينها لا تكون من الإصلاح في الأرض، بل تكون أحد أبواب الفساد، أو التبذير، أو الظلم، وهو وضع الشئ في غير موضعه.
لنأخذ مثالاً: نشرت شركة سابك خبرًا وفي أكثر من جريدة، إعلاناً تخبر فيه عن نيتها بناء مسجد باسم الراحل الشاعر الوزير غازي القصيبي -رحمه الله- وفاءً وعرفاناً له كونه مؤسس الشركة وأول مدير لها.
تعالوا نتأمل الخبر، هل المسلمين بحاجةٍ إلى المزيد من المساجد؟ أم بحاجةٍ لمزيدٍ من المشاريع التنموية، والمراكز التدريبية والتأهليلية في مجال العمل والنهضة؟
أيهما أولى بالإنفاق، أن نبني مسجداً في مدينة بها ما يزيد على 4 آلاف مسجد، أم نبني مركزاً لتأهيل الشباب العاطل عن العمل، في بلاد تعاني من كارثة البطالة بسبب عدم قدرة الشباب على الإنتاج، وعدم امتلاكهم للمهارات اللازمة؟
هنا تأتي أولويات الإصلاح في الأرض، أيهما أولى بالإنفاق، المسجد أم المركز التدريبي؟ وأيهما تحتاجه الأمة ويحتاجه المجتمع بصورة مُلحة وفورية؟
نعم، بناء المسجد خير عظيم، لكنه في هذا السياق، يُعتبر تبذيراً، وإهداراً للمال، وعدم توظيف له في مكانه الصحيح، وبالتالي يتحولُ مثل هذا العمل الصالح إلى ظلم، وبالتالي، لا يرضاه الله عز وجل.
ولو نظرنا للأمر بطريقة أخرى، سنجد أن كلَّ عملٍ صالح قد يجر مفسدة، أو يوقع ظلماً على إنسان، فهو عمل صالحٌ لا يُرضي الله، ومن هنا يتبين خطأ الجماعات المتطرفة التي تأخذ الدين على محمل القسوة والصرامة، فتظلم الناس كي يستقيموا، وتضرهم في أنفسهم وأموالهم كي يعودوا إلى الله، مع أن الإنسان أحد المقاصد الكبرى للتشريع، وبالتالي فالحفاظ على هذا الإنسان واحترامه، هو أولى من أي منفعةٍ أخرى قد يُخيل لبعض المتحمسين وقليلي العلم أنها أفضل، ومن ذلك مثلاً نظام الحسبة أو فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو تجاوز هذا الأمر، وهذا النهي، ما له من حدود وضعها الإسلام، فأصبح ينتهك حقوق الإنسان، لتحول هذا الفعل من عملٍ صالح يرضاه الله، إلى عمل صالحٍ لا يرضاه الله عز وجل، وانقلب إلى ظلم وافتراء.
وقد يكون لنا في موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلاً، حينما تسلق جداراً على رجلٍ يشربُ الخمر، لينكرَ عليه هذه المعصية، فواجهه الرجل بقوله تعالى: “ولا تجسسوا ” لأن حرمة البيوت أعظم عند الله من إنكار المعصية، وبالتالي، تراجع عمر بن الخطاب، ولم يفعل شيئاً للرجل، وتوقف فوراً عن إنكاره عليه، لأنه لو كان أصر على الإنكار، لكان بذلك يرتكب ما حرم الله، وينتهك حقوق الإنسان الطبيعية التي كفلها له الله عز وجل.
فالعمل الصالح، إن لم يكن في موضعه، وبطريقةٍ تساعد على الإصلاح في الأرض، فهو عمل صالح لا يُرضي الله عز وجل.
ويكفينا أن نعلم مقدار الكارثة التي وقعت لنا في مفهوم الأعمال الصالحة، إذا نظرنا إلى حال الأمة اليوم، وحال النهضة الإسلامية التي لا تتحرك ولا تتطور منذ عشرات السنين، وذلك لأن مفهوم العمل الصالح مختل في أفهامنا، فالمسلمون ابتدعوا في دينهم، ولم يبتدعوا في دنياهم، والابتداع في الدين حتى لو كان عملاً صالحاً، أمرٌ لا يُرضي الله تعالى.
اترك تعليقاً